الجمعة، 12 فبراير 2016

وزير السعادة المغربي المنتظر

ماذا لو استفاق المغرب على تعيين وزير للسعادة على غرار دولة اﻹمارات؟.
ذاك عنوان لمقال في الجريدة اﻹلكترونية هسبريس.
فكرت مليا في هذا العنوان ثم اهتديت إلى جواب أظن أني لم أحد به عن جادة الصواب.
إذا كان المقصود في ذلك تقسيم الغنيمة واستفادة أكبر عدد ممكن من الحزب الذي حصل على اﻷغلبية في الانتخابات فذلك ممكن، فالضرائب التي تستخلص من جيوب الشعب بالكاد تسد بها الدولة رمق جيش من الوزراء بلا وزارات، ومدربي الفرق الوطنية.
من الذي لا يريد لمريديه أجرة شهرية مع تقاعد مريح طيلة الحياة.
لا عجب أن يكون لدينا تسع وثلاثون وزيرا، وما يقارب اﻷربعمائة نائبا ومستشارا برلمانيا، لا وظيفة يؤدونها إلا أداء أدوار مسرحية كتبت في مكان ما.
حبذا لو كمل المغرب بوزير للسعادة أربعين حتى تنطبق على حكومتنا قصة علي بابا واﻷربعين حراميا.
وحبذا لو عين وزير منتدب لدى وزير السعادة، ونائب أول ونائب ثان لكل منهما، ومدير ديوان، ووضع في رهن إشارة هؤلاء أسطول من أفره السيارات حتى يستفيد الكل، وتتوفر الظروف للجل بأداء مهامهم حول السعادة في أحسن الظروف واﻷحوال، وتقدم لهم تعويضات خيالية عن كل فرد تمكنوا من إسعاده.
تقتصر مهام هؤلاء على إسعاد المغاربة، فالمغاربة في بعض اﻷحصاءات من أكبر خلق الله جهلا بسبل السعادة، هجرتهم إلى غير رجعة.

السبت، 25 يناير 2014

نشأة البلاغة ومراحل تطورها في التراث


  البلاغة كغيرها من العلوم الإسلامية لم تكن وليد ساعة أو يوم وإنما مرت بمراحل عديدة حتى اكتمل نضجها حتى اكتمل نضجها وأصبحت علماً مستقلاً قائماً بذاته له قواعده وقوانينه .
النشأة والنمو
البلاغة في العصرين الجاهلي والإسلامي .
عرف العرب بالفصاحة والبلاغة وحسن البيان وقد بلغوا في الجاهلية درجة رفيعة من البلاغة والبيان وقد صوّر القرآن ذلك في آيات عديدة وقوله تعلى ( ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ) كما وضح القرآن شدة قوتهم في الجدال والحجاج " ما ضربوه لك إلا جدلاً بل هم قوم خصمون "
ومن أكبر الدلائل على أنهم بلغوا في البلاغة درجة عالية رفيعة أن كانت معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم وحجته الدالة على نبوته القرآن , حيث دعاهم إلى معارضته , وتحداهم بأن يأتوا  في بلاغته الباهرة ، وهي بلا شك دعوة تدل بوضوح على تمكنهم ورسوخ قدمهم في البلاغة والبيان ، وعلى بصرهم بتمييز أقدار المعاني والألفاظ وتبيين مايجري فيها من جودة الإفهام وبلاغة التعبير .
وقد وصف الجاحظ العرب بالبلاغة والفصاحة وقدرتهم على القول في كل عرض حيث يقول ( والكلام كلامهم وهو سيد عملهم قد فاض به بيانهم وجاش به صدورهم وقد حفلت كتب الأدب كالأغاني لأبي الفرج الأصفهاني والشعر والشعراء لابن قتيبة والموشح في مآخذ العلماء على الشعراء للمزرباني بنماذج عديدة من النقد الجاهلي الذي كان بدور في أسواقهم المعروفة في الجاهلية كعكاظ ، من ذلك أن النابغة كانت كضرب له قبة حمراء في سوق عكاظ فتأتيه الشعراء تعرض عليه أشعارها فيقول فيها كلمته فتسير في الناس لا يستطيع أحد أن ينقضها . من ذلك قصته المشهورة في تفضل الأعشى على حسان بن ثابت ، وتفضيل الخنساء على بنات جنسها فثار لذلك حسان وقال له : أنا والله أشعر منك ومنها فقال له النابغة حيث تقول ماذا ؟ قال حيث أقوله :
لنا الجفنات الغر يلمعن بالضحى      وأسيافنا يقطرن من نجدة دما
ولدنا بني العنقاء وابني محرّق         فأكرم بنا خالا وأكرم بنا ابنما
فقال له النابغة : إنك لشاعر لو أنك قللت عدد جفانك وسيوفك وقلت يلمعن في الضحى ولو قلت يبرقن لكان أبلغ في المديح لأن الضيف بالليل أكثر طروقاً ، وقلت يقطرن من نجدة دما فدللت على قلة القتل ، ولو قلت يجرين لكان أكثر  لانصباب الدم ، وفخرت بمن ولدت ولم تفخر بمن تفخر بمن ولدك ، فقام حسان منكسراً .
ومن ذلك أيضاً قصة طرفة بن العبد وهو صبي عندما سمع المتلمس ينشد قوله .
وقد أتناسى الهم عند احتضاره              بناج عليه الصيعرية مكدم
الصيعرية سمة تكون في عنق الناقة لا في عنق الجمل فقال طرفة : استنوق الجمل , فضحك الناس وسارت مثلاً , ومن ذلك أن العرب عابت على النابغة الذبياني الإقواء الذي في شعره ولم يستطع أحد أن يصارحه بهذا العيب حتى دخل يثرب مرة فأسمعوه غناء قوله :-
أمن آل مية رائح أو مغتدي      عجلان ذا زاد وغير مزود
إلى قوله :
بمخضب رخص كأن بنانه        عنم يكاد من اللطافة يعقد
ففطن النابغة فلم يعد إلى ذلك ، ويروي أنه حين خرج قال دخلت يثرب فوجدت في شعري صنعة فخرجت منها وأنا أشعر العرب .
وتروي كتب الأدب هذا البيت قوله .
زعم البوارح أن رحلتنا غداً          وبذاك خيّرنا الغرابُ الأسود
وأنه أصلحه بقوله :- وبذاك تنعاب الغرب الأسود .
وهناك أمثلة عديدة لكننا نكتفي بهذا القدر مشيرين إلى أن العرب في جاهليتهم كانت لديهم ملكة فنية استطاعوا من خلالها معرفة الكلام وتمييز جيده من رديئه .
ولا يخفى أن هذه الملاحظات النقدية كانت تعتمد على الذوق فهي نقد ذاتي لا يقوم على التعليل والتفصيل ، وبمرور الزمن ذكر العلماء لهذه الأحكام والملاحظات النقدية تعليلات تقوم على أسس بيانية ، وتحول هذا النقد إلى نقد بياني ينظر إلى  المعاني والألفاظ على أيدي البلاغيين
البلاغة في عصر صدر الإسلام :
لاشك أن للقرآن تأثيراً عظيماً في نشأة البلاغة وتطويرهما فقد عكف العلماء على دراسته وبيان أسرار إعجازه ، واتخذوه مداراً للدرس البلاغي فاتخذوا آياته شواهد على أبواب البلاغة واعتبروها مثالاً يحتذى في جمال النظم ودقة التركيب .
وكان النبي صلى الله عليه وسلم وهو كما نعلم كان أفصح العرب . كما كان شديد الاهتمام والعناية بالشعر والشعراء يحرص على سماعهم والإشادة بشعرهم من ذلك قوله لحسان رضي الله عنه " قل وروح القدس يؤيدك " وقوله عندما سمع قول النابغة الجعدي .
بلغنا السماء مجدنا وجدودنا     وإنا لنبغي فوق ذلك مظهراً
فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أين المرتقى ياأبا ليلى : فقال إلى الجنة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " لا فض فوك " .
وقد ظلت وفود العرب تختلف في عهد الخلفاء الراشدين إلى المدينة وتجمعهم أنديتها فيخوضون في شعراء الجاهلية والشعراء والمخضرمين وينظرون في الشعر والخطب ويجرون المفاصلات بين الشعراء والخطباء وقد  كان الخلفاء يخوضون في ذلك ولهم مشاركات في النقد من ذلك ما روى عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه عرض لرجل معه ثوب فقال له : أتبيع الثوب ؟ فأجاب : لا عافاك الله فقال له أبوبكر : علمتم لوكنت تعلمون قل لا وعافاك الله " وقد كانت لعمر وعلي رضي الله عنهما مساهمات في النقد ، فقد كان عمر بن الخطاب من أنقد أهل زمانه للشعر وأنفذهم فيه معرفة من ذلك قوله " الشعر علم قوم لم يكن له علم أعلم منه "
وقوله في زهير " كان لا يعاظل في الكلام " أما علي رضي الله عنه  فقد اشتهر بالفصاحة والبيان , وفصاحته معروفة لا تخفى على أحد ‘ وقد روى أن أعرابياً وقف على علي رضي الله عنه  فقال : إن لي إليك حاجة رفعتها إلى الله قبل أن أرفعها إليك فإن قضيتها حمدت الله تعالى وشكرتك وإن لم تقضها حمدت الله تعالى وعذرتك ، فقال له علي : خطّ حاجتك في الأرض فإني أرى الضر عليك ، فكتب الإعرابي على الأرض إني فقير ، فقال علي : يا قنبر إدفع إليه حلتي الفلانية ، فلما أخذها مثل بين يديه فقال :
كسوتني حلةً تبلى محاسنها            فسوف أكسوك من حلل الثنا حللاً
إن الثناء ليحيى ذكر صاحبه           كالغيث يحيى نداه السهل والجبلا
لاتزهد الدهر في عرف بدأت به         فكلّ عبد سيجزى بالذي فعلا
فقال عليّ ياقنبر أعطه خمسين ديناراً ، أما الحلة فلمسألتك وأما الدنانير فلأدبك ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنزلوا الناس منازلهم .
وبهذا تبين لك أن للخلفاء معرفة بالشعر ونقده ، كما أن ملاحظاتهم النقدية كانت كالجاهلين جزئية فطرية تعتمد على الذوق دون تعليل لها .
هذه الأحكام والملاحظات هي التي استحالت على أيدي البلاغيين من أمثال الباقلاني والرماني والعسكري وعبد القاهر والسكاكي إلى قواعد بلاغية محددة تحديداً علمياً دقيقاً قصد منها الوقوف على وجه إعجاز القرآن البلاغي وتكوين الذوق الأدبي الذي يستطيع إنشاء الكلام البليغ ومعرفة جيدة ويفاضل بينه .    وهنا سؤال على قدر كبير من الأهمية لِمَ لم تظفر البلاغة التعليمية بشيء من التدوين في عصر صدر الإسلام مادام أن تدوينها وتعليمها من أمور الدين أو من الأمور التي يحتاج إليها المسلم كما يحتاج إلى معرفة الحلال والحرام ؟
الجواب على ذلك : أن الصحابة والتابعين كانوا يعرفون من القواعد البلاغية التي يقوم عليها إنشاء الكلام الفني والتي كانوا يعتمدون عليها في تمييز الكلام الجيد من الرديء لأنها كانت مركوزة  في طبائعهم لذلك لم يحتاجوا إلى تدوينها على حد قول بهاء الدين السبكي في كتابه عروس الأفراح 1/53 .    ويعلل الزركشي صاحب كتاب البرهان في علوم القرآن عدم تدوين البلاغة في صدر الإسلام بأن القصد من إنزال القرآن الكريم تعليم الحلال والحرام وتعريف شرائع الإسلام وقواعد الإيمان ، ولم يقصد منه تعليم طرق الفصاحة ، وإنما جاءت الفصاحة لتكون معجزة ، وكانت معرفتهم بأساليب البلاغة مما لا يحتاج إلى بيان ، بخلاف استنباط الأحكام ، فلهذا تكلموا في الثاني دون الأول  2/132.
البلاغة في عصر بني أمية :-
في عصر بني أمية كثرت الملاحظات النقدية كثرة عظيمة عملت فيها بواعث وأسباب كثيرة منها تحضر العرب واستقرارهم في المدن والأمصار ، وازدهار العلوم ورقيها مما أدى إلى رقي الحياة العقلية للأمة الإسلامية .حيث أخذوا يتجادلون في جميع شؤونهم السياسية والعقدية فكان هناك الخوارج والشيعة والزبيريون والأمويون ، والمرجئة والقدرية والمعتزلة ، فكان طبيعياً أن ينمو النظر في بلاغة الكلام وأن تكثر الملاحظات البيانية المتصلة بالكلام لا في مجال الخطابة والخطباء فحسب ، بل وفي مجال الشعر والشعراء بل لعل المجال الثاني كان أكثر نشاطاً لتعلق الشعراء بالمديح وتنافسهم فيه .
وفي هذا العصر نشطت حركة النقد سواء في مجال مجالس الخلفاء والولاة أو في الأندية الأدبية كسوق المربد في البصرة وسوق الكناسة في الكوفة حيث كان الشعراء يجتمعون في هذه الأسواق لينشدوا الناس خير ماصاغوه من الشعر .
وإليك بعض الأمثلة التي توضح ذلك .
من ذلك ما يقال من أن ذا الرمة كان ينشد بسوق الكناسة في الكوفة إحدى قصائده فلما وصل إلى قوله :
إذا غير النأي المحبين لم يكد             رسيس الهوى من حب مية يبرح صاح به ابن شبرمة : أراه قد برح وكأنه لم يعجبه التعبير بقوله لم يكد ، فكف ذو الرمة ناقته بزمامها وجعل يتأخر بها ويفكر ثم عاد فأنشد .
النأي إذا غيّر المحبين لم أجد ....
ومن ذلك أيضاً أنه اجتمع الكميت ونصيب وذو الرمة ، فأنشدهما الكميت ما قال حتى بلغ قوله :
أم هل ظعائن بالعلياء نافعة       وإن تكامل فيها الأنس والشنب
عقد نصيب واحدة : فقال له الكميت ماذا تحصى ؟ قال : خطأك باعدت بين الأنس والشنب .
فنصيب ينقد الكميت لأنه جمع بين أمرين لا يجتمعان في الخارج ولا في الذهن . وهو بما يعرف بمراعاة النظير .
ومن ذلك ما روي عن الحجاج حين أنشدته ليلى الأخيلية قولها :
إذا ورد الحجاج أرضاً مريضةً      تتبع أقصى دائها فشفاها
شفاها من الداء العضال الذي بها    غلام إذا هزّ القناة ثناها
فقال لها الحجاج لا تقولي غلام ، ولكن قولي همام .
لأن لفظ الغلام يشعر بالصبوة والنزق والجهل .
ومن ذلك ما روي عن عبد الملك بن مروان حين مدحه عبد الله بن قيس الرقيات بقصيدة منها قوله.
يأتلق منها التاج فوق مفرقة   على جبين كأنه الذهب
فغضب عبد الملك وقال له : قد قلت في مصعب بن الزبير :
إنما مصعب شهابه من الله        تجلت عن وجهه الظلماء
فأعطيته المدح بكشف الغمم وجلاء الظلم وأعطيتني من المدح مالا فخر فيه وهو اعتدال التاج فوق جبيني الذي هو كالذهب في النضارة.                            
ومن ذلك ما روي عن ذي الرمة حين أنشد هشام بن عبد الملك قصيدته التي مطلعها :
ما بال عينيك منها الماء ينسكب
فزجره هشام وقال له بل عينيك . فهشام عاب على ذي الرمة قوله لعدم مراعاته المقام ، وهو ما يعرف لدى البلاغيين ببراعة الاستهلال .
ولعلّ في كل ما قدمنا من الأمثلة ما يدل على أن الملاحظات البيانية في العصور القديمة جاهلية وإسلامية لم تغب عن أذهان البلاغيين حين أصّلوا قواعد البلاغة ، وهي بحق تعد الأصول الأولى لقواعدهم .
البلاغة في العصر العباسي
لا تكاد تصل إلى العصر العباسي حتى أخذت الملاحظات البلاغية تزدهر ازدهارا عظيماً وتصطبغ بصبغة علمية وقد كان لذلك أسباب عديدة منها مايعود إلى تطور النثر والشعر مع تطور الحياة العقلية والحضارية ، ومنها ما يعود إلى نشوء طائفتين من المعلمين عنيت إحداهما باللغة والشعر وهي طائفة اللغويين والنحاة ، وعنيت الأخرى بالخطابة والمناظرة وإحكام الأدلة وهي طائفة الأدباء .
كل هذه الأسباب مجتمعة أدت إلى نمو البحث البلاغي وإزهاره وتطوره فكثرت الملاحظات البلاغية بدءاً بسيبويه إمام النجاة وانتهاء بإمام البلاغيين
عبد القاهر الجرجاني الذي اكتمل صرح البلاغة على يديه فوضع أصولها وأرسى قواعده حتى غدت البلاغة علماً مستقلاً .
البحث البلاغي نشأته وتطوره
بدأ التأليف في علوم البلاغة مع بداية مرحلة التأليف في العلوم الإسلامية في منتصف القرن الثاني للهجرة ، وقد مرت البلاغة عبر رحلتها الطويلة بثلاث
مراحل .
المرحلة الأولى :
مرحلة النشأة والنمو .
نزل القرآن الكريم ليكون كتاب هدية ودستور حياة يهدي للتي هي أقوم وليكون معجزة للعالمين ودليلاً على صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم وكان المسلمون في عصر صدر الإسلام يعتمدون على طبعهم الأصيل في معرفة وإدراك إعجاز القرآن ، كما كانوا يعتمدون على طبعهم وذوقهم السليم في معرفة ضروب الكلام وتفضيل شاعر على آخر .
ثم انتشر الإسلام واتسعت رقعة الدولة الإسلامية وكثر عدد الداخلين في الإسلام أخذت هذه العناصر تمتزج بالعرب امتزاجا قوياً كان له أثره الكبير على اللغة العربية حيث أخذ الذوق العربي ينحرف وبدأت الملكات تضعف والإحساس ببلاغة الكلام يقل . وفشا اللحن على الألسنة . حينئذ ظهر العلماء فقاموا بوضع قواعد النحو والصرف , يدفعهم إلى ذلك حرصهم على لغة القرآن الكريم فظهرت
لذلك كتب عديدة اهتمت بالعربية , بالإضافة إلى الإشارة إلى بعض الملاحظات البلاغية التي كانت مبثوثة في تضاعيف هذه الكتب وبذلك بدأت البلاغة رحلتها ، ومن أهم هذه الكتب :
كتاب مجاز القرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى المتوفى سنة 210 وقد كان أبو عبيدة من أوسع أهل البصرة علماً باللغة والأدب والنحو وأخبارها وأيامها .
سبب تأليفه لهذا الكتاب:  تروي كتب الأدب أن الفضل بن الربيع وزير الرشيد استقدم أبا عبيدة من البصرة لحضور مجلسه, فلما حضر إلى المجلس , سأل إبراهيم بن إسماعيل الكاتب أبا عبيدة عن قوله تعالى ( طلعها كأنه رؤوس الشياطين ) وإنما يقع الوعد والإيعاد بما قد عرف مثله ، وهذا لم يعرف , فقال أبو عبيدة إنما كلم الله العرب على قدر كلامهم أما سمعت قول أمريء القيس
أيقتلني والمشرفين مضاجعي     ومسنونة رزق كأنياب أغوال .
وهم لم يروا الغول قط ، ولما كان أمر الغول يهولهم أوعدوا به, فا ستحسن الفضل ذلك واستحسنه السائل ، وأزمع أبو عبيدة عند ذلك أن يضع كتاباً في القرآن لمثل هذا وأشباهه . وكلمة مجاز ليس المراد بها المعنى الاصطلاحي المعروف عند البلاغيين لهذه الكلمة وإنما تعني الطريق أو المعبر .
فكتاب أبي عبيدة ليس كتاباً بلاغياً وإنما هو كتاب في التفسير حيث فسر فيه الألفاظ القرآنية بما ورد مثلها في كلام العرب , وفي معرض تفسيره لآيات القرآن الكريم نثر بعض الملاحظات البلاغية , وأشار إلى بعض مسائلها كالإيجاز والإطناب والتقديم والتأخير دون تسمية لها ، كما أشار إلى خروج بعض الأساليب الإنشائية عن دلالتها الأصلية إلى بعض المعاني كالاستفهام والأمر والنهي ، كما تحدث عن الالتفات ، والتشبيه وتعرض للمجاز العقلي من غير تسمية له وإنما أشار إلى بعض شواهد ه التي أفاد منها البلاغيون فيما بعد .
ثم جاء بعده الفراء المتوفى سنة 207 هـ ووضع كتابه معاني القرآن , والفراء هو أبو زكريا يحيى بن زياد الفراء ،كان من أعلم أهل الكوفة بالنحو واللغة وفنون الأدب .
وكتاب معاني القرآن يعالج المشاكل التي عالجها أبو عبيدة غير أن ثقافته النحوية قد ظهرت في كتابه بوضوح ، فهو يشرح بعض ألفاظ القرآن وبعض الأساليب البيانية والتراكيب الإعرابية ويرد كل ذلك إلى مذاهب العرب , وقد نثر في تضاعيف هذا الكتاب بعض الملاحظات البلاغية فقد أشار إلى الإيجاز ، وأشار إلى بعض صور الإطناب وبيّن الغرض البلاغي منها ، وتحدث عن التقديم والتأخير ، ولاحظ خروج الاستفهام و الأمر والنهي عن دلالتها الأصلية إلى معان بلاغية , ووقف عند صور المجاز العقلي ومثل له من القرآن ومن كلام العرب دون تسمية له ، كما عرف التشبيه وبيّن أركانه من المشبه والمشبه به والأداة ووجه الشبه ، وعرض للمشاكلة دون تسمية لها .
ثم جاء القرن الثالث للهجرة فكثرت الفرق الإسلامية واشتد الخلاف فيما بينها ، وأخذ الإسلام وكذلك العرب يواجه بحملة تشكيك وطعن , واتجهت أنظار الطاعنين نحو القرآن ترميه باللحن وفساد النظم , فانبرى العلماء يدافعون عن العرب والإسلام , ومن بين هؤلاء المدافعين الجاحظ الذي ألف كتابه البيان والتبيين الذي دافع فيه عن العرب ضد الشعوبيين , وفي هذا الكتاب أشار إلى بعض الفنون البلاغية كالاستعارة والتشبيه والكتابة والإيجاز والإطناب .
وعرّف البيان بقوله : " اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى وهتك الحجب دون الضمير " كما أشار إلى أن البديع من خواص العرب ، ومنه الاستعارة والتشبيه والكناية ، كما ذكر موضوعات أخرى كبراعة المطلع والمقطع والسجع والاقتباس وغير ذلك .
وهذه الفنون البلاغية التي ذكرها الجاحظ مبثوثة في تضاعيف الكتاب لاتوجد إلا بالتأمل الطويل والتصفح الكثير .
وعلى أيه حال فالجاحظ من الذين أسهموا في وضع أسس البلاغة في هذه الفترة .
ابن قتيبة :- هو أبو محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري 276هـ وهو من تلاميذ الجاحظ والمعاصرين له , ألف كتابه  مشكل القرآن رد فيه على الطاعنين في لغة القرآن وأسلوبه .
وقد تحدث فيه عن العرب وما خصهم الله به من قوة البيان ، وتحدث عن وجوه إعجاز القرآن ، كما أشار إلى المجاز والاستعارة والقلب والاختصار في الكلام والزيادة فيه ، والكناية , ومخالفة ظاهر اللفظ معناه .
ويتميز بن قتيبة عن سابقيه بأنه قد وضع لكل لون من هذه الألوان باباً يخصه ، ويحثه في ذلك بحث أدبي ليس فيه التقسيم وتحديد المصطلحات .
المبرد : هو أبو العباس محمد بن يزيد المبرد المتوفي في سنة 285هـ ألف  كتابه الكامل في اللغة والأدب وقد نثر فيه كثيراً من مسائل البلاغة , وعقد فيه للتشبيه باباً بدأ فيه بعرض كثير من التشبيهات الرائعة في شعر العرب ، وقسم التشبيه إلى أربعة أقسام هي تشبيه مفرط ، مصيب , مقارب ، بعيد .
كما تحدث عن الاستعارة والكناية والالتفات والإيجاز والإطناب وغير ذلك بعد ذلك أخذت هذه الكتب تميل إلى التخصص من ذلك الكتاب البديع للشاعر الخليفة العباس عبد الله بن المعتز المتوفى سنة 296هـ وكتاب البديع له قيمة كبيرة في تاريخ البلاغة إذ كان خطوة في تطورها وتقدمها وبخاصة في ميدان علم البديع فقد استقل بذكر أنواعه وفنونه , والبديع عنده يختلف عن ما عرف لدى المتأخرين من علماء البلاغة بأنه علم يعرف به وجوه تحسين الكلام وإنما كان البديع عنده عاماً يتناول كثيراً من فنون البلاغة كالاستعارة والكناية والتشبيه والمطابقة والجناس ، وقد دعاه إلى تأليف هذا الكتاب تعريفه الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أنواع البديع .
وقد قسم كتابه إلى قسمين : الأول البديع وحصره في خمسة فنون هي : الاستعارة , التجنيس ، المطابقة , ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها ، والمذهب الكلامي .
الثاني محاسن الكلام والشعر ، وذكر أنها كثيرة لا ينبغي لعالم الإحاطة بها ، وحصرها في ثلاثة عشر فناً منها الالتفات والتعريض والكناية ، والتشبيه وتجاهل العارف والمبالغة والإفراط إلى غير ذلك .
ثم جاء بعده قدامة بن جعفر المتوفى سنة 337 هـ الذي ألف كتابه نقد الشعر بين فيه أن الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب هو تقصير العلماء وقعودهم عن التأليف في النقد ووضع كتاب فيه مع أنه أهم علوم الشعر وأولاها بالعناية .
ثم لما اشتدت الخصومة النقدية بين العلماء حول بعض شعراء العربية ظهرت كتب نقدية توازن بين هؤلاء الشعراء من ذلك كتاب الموازنة لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي وزان فيه بين شعر البحتري وأبي تمام ، وكتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه للقاضي على بن عبد العزيز الجرجاني 366 .
وفي هذين الكتابين إشارات كثيرة إلى بعض الفنون البلاغية  كالاستعارة والتشبيه والكناية والتجنيس والمطابقة .
ثم توالت الكتب والمؤلفات التي تحمل في ثناياها مادة بلاغية ضخمة أفاد منها الإمام عبد القاهر والبلاغيون من بعده في إرساء قواعد البلاغة وبناء صرحها .
منها كتاب سر الفصاحة لابن سنان , وتلخيص البيان في مجازات القرآن للشريف الرضي , وإعجاز القرآن الباقلاني , والنكت في إعجاز القرآن للرماني والعمدة لابن رشيق القيرواني وغير ذلك .
المرحلة الثانية :
مرحلة : نضج البلاغة واكتمالها
اكتمل صرح البلاغة على يدي الإمام عبد القاهر الجرجاني الذي وضع نظريتي علم المعاني وعلم البيان في كتابيه دلائل الإنجاز وأسرار البلاغة .
فلعبد القاهر مكانة عظيمة في تاريخ البلاغة حيث دوت شهرته  في الآفاق وذلك لما امتاز به عن سابقيه بأنه جمع ما تفرق قبله من علوم البلاغة, واستطاع بذكائه وثاقب نظره وضع قواعد البلاغة وبناء صرحها على أساس متين من الأصول والقوانين التي استقرت بشكل متكامل وفي إطار شامل مدعماً ذلك بالشواهد والأمثلة الكثيرة التي ساقها في بيان عذب وأسلوب بليغ ، فلم يكتف عبد القاهر في كتابيه بتعقيد القواعد وتقنينها , بل حرص مع ذلك على ضرب الأمثلة حتى تتضح فنون البلاغة حق الوضوح وتتمثل في الأذهان خير تمثل .
فعبد القاهر هو مؤسس البلاغة الذي وضع أصولها وأرسى قواعدها ولم يحدث بعده أي تغيير يذكر في علم المعاني والبيان لأنه استطاع أن يستنبط من ملاحظات البلاغيين قبله كل القواعد البلاغية فيهما .
ولقد فتن البلاغيون بعبد القاهر وعلمه الغزير فراحوا يرددون كلامه ويقفون عنده ولا يتجاوزنه ، وأصبح لكتابيه مكانة مرموقة جعلت كل من جاء بعده يعتمد عليها ويقتبس من مسائلها ويدور في فلكها لا يحيد عنها .
وعلى كل يعد كتابا عبد القاهر كتابين عظيمين حيث أصبحت فنون البلاغة فيهما ذات كيان خاص , بعد أن كانت قبلها مبعثرة في كتب اللغة والأدب والنقد وإعجاز القرآن ، وقد ضمنهما مؤلفهما علماً دقيقاً غزيراً ,بنى بهما للبلاغة صرحاً عالياً , وأصبح بسببهما إماماً عظيماً .
ثم جاء بعبد القاهر جارالله محمود بن عمر الزمخشري 538 الذي قام بدراسة ما كتبه عبدا لقاهر في كتابيه دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة واستطاع أن يهضم مافيهما , ويتمثلهما خير تمثيل , وأن يطبق ذلك كله في كتابه الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل ، الذي اهتم فيه بيان الأسرار البلاغية في القرآن , وبإظهار إعجازه عن طريق بيان وفاء دلالته على المراد مع مراعاته مقتضيات الأحوال , ويكشف ما فيه من خصائص التصوير ولطائف التعبير في البيان القرآني .
وعلى الرغم من أن هذا الكتاب يعد من كتب التفسير فإنه يعد في الوقت  ذاته من كتب البلاغة لأنه مليء بمسائلها ولطائفها .
المرحلة الثالثة
مرحلة التقنين والتعقيــــد :
تبدأ هذه المرحلة بظهور أبي يعقوب يوسف السكاكي المتوفى سنة 626هـ الذي اهتم بالفلسفة والمنطق , فقام بتقنين قواعد البلاغة مستعيناً في ذلك بقدراته المنطقية على التعليل والتعريف والتفريع والتقسيم ، وبذلك تحولت البلاغة على يديه إلى مجرد قواعد وقوانين صيغت في قوالب منطقية جافة باعدت بينها وبين وظيفتها من إرهاف الحس وإمتاع النفس وتربية الذوق وتنمية الملكات .
وقبل السكاكي ظهر فخر الدين الرازي فهو من أوائل من اتجهوا إلى الاختصار والتخليص فهو يعد مرحلة انتقالية , حيث اهتم بإدخال المنطق والفلسفة في علوم البلاغة , حيث قام بتلخيص كتابي عبد القاهر في كتابه نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز .
وشهرة السكاكي تعود إلى القسم الثالث من كتابه مفتاح العلوم الذي جعله لعلم المعاني وعلم البيان وملحقاتها من الفصاحة والبلاغة ، والمحسنات اللفظية والمعنوية , وقد نال هذا الكتاب شهرة فائقة في ميدان البلاغة حيث فتن به العلماء إلي حد جعلهم ينسون أنفسهم وينكرون ملكاتهم , ولهذا ظلوا قروناً عديدة- ابتداء من القرن السابع الهجري والى القرن الماضي - عاكفين على دراسته وشرحه وتلخيصه حتى لكأنه لم يؤلف في البلاغة كتاباً غيره , فاستأثر باهتمامهم وعنايتهم, وقد أخذ رجال هذه المدرسة وعلماؤها يعمدون في دراساتهم البلاغية على النظريات والتقسيمات والقواعد والتعريفات التي أصبحنا نراها شائعة في مصنفاتهم من الشروخ والحواشي والتقارير ونحوها التي صنفت على هدي كتاب السكاكي والقزويني .
فمن الذين قاموا بشرح مفتاح العلوم للسكاكي عدد كبير من العلماء منهم قطب الدين الشيرازي 710هـ في كتاب سماه مفتاح المفتاح ، ومظفر الخلخالي 745 هـ في كتابه شرح المفتاح ، والسيد الشريف الجرجاني 816هـ وابن كمال باشا 940هـ ألف شرح المفتاح .
وممن عنوا بتلخيصه :
بدر الدين مالك 668هـ أختصره في كتاب المصباح في المعاني والبيان والبديع , وجلال الدين محمد بن عبد الرحمن القزويني 739هـ سماه تلخيص المفتاح , وعبد الرحمن الشيرازي 756هـ في كتابه الفوائد الغياثية , ولعل أشهر هذه الشروح وأوسعها شهرة بين العلماء في  المشرق كتاب تلخيص المفتاح للقزويني , وهذا الكتاب بدوره حظي لدى العلماء باهتمام بالغ فمنهم من شرحه ومن لخصه ، ومنهم من نظمه .
فممن شرحه بهاء الدين السبكي في كتابه عروس الأفراح في شرج تلخيص المفتاح  , وابن يعقوب المغربي 1110  في كتابه مواهب الفتاح في شرح تلخيص المفتاح ، والخلخالي في كتابه مفتاح تلخيص المفتاح ، وسعد الدين التفتازاني وضع له شرحين المختصر والمطول ,  وممن نظمه شعراً جلال الدين السيوطي المتوفي سنة 911 هـ في  كتابه عقود الجمان ، وعبد الرحمن الأخضري سمي نظمه الجوهر المكنون في الثلاثة فنون ، وغيرهم كثير ، ولاتزال خزائن الكتب والمخطوطات تضم في جنباتها عدداً كبيراً من الكتب التي دارت حول شرح مفتاح العلوم أو حول كتاب التلخيص للقزويني .
فكل من جاء بعد السكاكي سار على نهجه ونسج على منواله لأنها لاتخرج عن كونها ترديدا وتكراراً لمادته ، فهي محاولات قصد بها الإيضاح والتبسيط عن طريق الإيجاز والتلخيص, وإذا هي من حيث لا يدري أصابها قد زادت المفتاح صعوبة على صعوبة .
ولا شك أن هذه الشروح والتلخيصات والمنظومات تدل على عناية أصحابها منذ عصر السكاكي وما بعده بالمناقشات العلمية والمماحكات اللفظية دون العناية بتربية الذوق ففقدت البلاغة بذلك هدفها الرئيس .
وعلى أية حال هذه الكتب التي صنفها العلماء أرادوا بها خدمة البلاغة والنقد إلا أنها عجزت عن أن تعلم نقداً أو بلاغة , وهي بلا شك دالة على عناية أصحابها بمسائل العلم وتوسيع القول فيه , وإن كانوا في الوقت نفسه عاجزين على القدرة  على التجديد والابتكار .
وإذا أردنا أن نقارن ما كانت عليه البلاغة العربية في عصورها الزاهية وخاصة في عصر عبد القاهر وبين ما صارت إليه في  العصور المتأخرة نرى أن البلاغة قد ازدهرت واكتمل صرحها وتوهجت شعلتها على أيدي علمائها الأوائل الذين قاموا بإحيائها وإرساء معالمها , ثم نرى كيف جفت وذبلت وخبت شعلتها على أيدي علماء البلاغة المتأخرين على يد السكاكي ومن سار على نهجه واحتذى حذوه .
وقد ظل هذا حال البلاغة تزداد مع الأيام ضعفاً وبعدا عن هدفها المنشود حتى قيض لها من علماء العرب في العصر الحديث من قام بإحيائها فأعاد للبلاغة وجهها الناصع الناضر .
أ.د.يوسف عبد الله الأنصاري

الخميس، 19 سبتمبر 2013

قصيدة في البلاغة


السلام عليكم
أعجبتني هذه الطرفة فأحببت نقلها إليكم



قصة طريفة حدثت أثناء فترة الامتحانات لأحد معلمي اللغة العربية و اسمه ( بشير) فبعد انتهاء امتحان مادة البلاغة قام الأستاذ بشير بتصحيح أوراق الإجابة و كعادته ما أن يمسك الورقة حتى يبدأ بتصحيح إجابة السؤال الأول ومن ثم السؤال الثاني وهكذا ..


و في بعض الأحيان يلحظ أن بعض الطلاب يترك سؤالا أو سؤالين بدون إجابة و هو أمر معتاد إلا أن الذي أثار استغرابه و أبدى دهشته ورقة إجابة لأحد الطلاب تركها خالية و لم يجب فيها على أي سؤال ووضع بدل الإجابة القصيدة التالية التي نظمها خلال فترة الامتحان :


أبشير قل لي ما العمـــــلْ

واليأس قد غلب الأمـــــلْ



قيل امتحان بلاغــــــــــةٍ

فحسبته حـــــان الأجـــــلْ



وفزعت من صوت المرا

قب إن تنحنح أو سعـــــلْ



وغدا يجول صفوفنــــــــا

و يصول صولات البطلْ



أبشير مهــلا يا أخــــــي

ما كل مسألة تحـــــــــلْ



فمن البلاغــــــة نافـــــعٌ

ومن البلاغــــــة ما قتل ْ



قـــــد كنت أبلد طــــالبٍ

و أنا و ربــــــــي لم أزلْ



فإذا أتتـــــك إجابتــــــــي

فيهـــــا السؤال بدون حلْ





دعها و صحح غيرهـــــا

والصفر ضعه على عجلْ . فما كان من الأستاذ بشير سوى إعطائه درجة النجاح في مادة البلاغة لأن الهدف الذي يسعى لتحقيقه من خلال تدريسه لمادة البلاغة متوفر في هذا الطالب الذي استطاع نظم هذه القصيدة الطريفة و البديعة

محاولات تجديد البلاغة العربية في العصر الحديث


د.عبد الله مساوي
دكتوراه في البلاغة وتكامل المعارف

يتناول موضوع هذه الأطروحة (دجنبر2003) محاولات تجديد البلاغة العربية في العصر الحديث، وهو بهذه الصيغة رصد للدراسات التي أفرغت جهودها في قضية التجديد البلاغي، يتتبع خطواتها، ويفحص مضامينها، ويصنّف اتجاهاتها، ويقوّم اشتغالاتها.

إن أهمية الموضوع تكمن في جمع شتات تلك المحاولات وإصدار أحكام في شأنها بعد وصفها وتحليلها، في إطار الإجابة عن إشكال أساس هو: هل يحقق المجددون –من خلال محاولاتهم- أمَل القدماء الذين استقر في أذهانهم أن البيان علم ينضج ولم يحترق؟ والموضوع بتلك الصيغة أيضا واقع في صلب معركة قد تفترض لها بداية ولن تحد بنهاية، ألا وهي معركة التجديد التي عرفت بعدم ثباتها، وسرعة تحولاتها، وصعوبة الحسم في قضاياها، وذلك لأن قضية التجديد نسبية لا نهائية من حيث الاعتبارات المعرفية، وحتمية لا اختيارية من حيث الاعتبارات الزمنية.

وعلى الرغم من ذلك، فقد كانت الرغبة في اختراق مضايق البحث أكبر من التردد في اقتحامه، سيما وأن أسباب فكرة بحثه نبعت من سؤالين مترابطين:

فأما الأول: فارتبط بالطابع المفاجئ الذي استقبلت به خبر دراسات سعت سعيا حثيثا إلى تجديد البيان العربي، وزحزحة معارفه عن توجهها المتداول، أثناء تحضير شهادة استكمال الدروس سنة 1996، حينئذ عن السؤال: هل البلاغة العربية في حاجة إلى تجديد؟

وأما الثاني: فارتبط بالاطلاع على مقالات ثلاثة شكلت دراسات سابقة في الموضوع الذي نحن بصدده، وأذكت الحماس للخوض فيه بعد الحسم في اختياره وهي:

أ-"مفهوم الأسلوب بين التراث النقدي ومحاولات التجديد"، لشكري محمد عياد، بمجلة "فصول"، المجلد والعدد الأولان، القاهرة،1980.

ب-"محاولات التجديد للبلاغة العربية"، لمحمد الكتاني، بمجلة "كلية الآداب جامعة محمد بن عبد الله"، العدد السادس، فاس، موسم:1982-1983.

ت-"تأملات في تجديد البلاغة"، لعبد الجليل هنوش، بحوليات كلية اللغة العربية، العدد التاسع، مراكش.1997.

لقد ركزت هذه الدراسات أثناء تناولها لقضية التجديد البلاغي في العصر الحديث، على محاولتين لهما قيمتهما التجديدية بالنظر إلى التصور الذي أطرهما والزمن الذي ظهرتا فيه وهما:

محاولة أمين الخولي، من خلال كتابه "فن القول" الصادر سنة 1947، ومحاولة أحمد الشايب، من خلال كتابه "الأسلوب: دراسة بلاغية تحليلية لأصول الأساليب الأدبية" الصادر سنة 1939.

إن الاطلاع على هذه الدراسات أعان على تحديد معالم المحاولات، وأسقط القناع الذي كان يلف فكرة التجديد، لينكشف الاقتناع بضرورة تتبعها لما أصبحت قضية قائمة، إذ ذاك ارتقى السؤال إلى أفق آخر وهو: هل يوفق المجددون في مساعيهم التجديدية للبلاغة العربية؟

إن فضول الإجابة على السؤالين السابقين، دفع إلى البحث عن محاولات تجديدية أخرى لا تقتصر على جهود أمين الخولي، وأحمد الشايب، فتحقق المراد ورتبت المصادر الأساس للبحث حسب زمن تأليفها كما يأتي:

1896- ألّف جبر ضومط، كتاب "الخواطر الحسان في المعاني والبيان"، وركزت دراسته على علاقة البلاغة بالنحو، وتضمنت دعوة صريحة إلى نظرة بلاغية شمولية تهم النص الأدبي بدل الاقتصار على بلاغة الجملة.

1927- ظهر لأحمد أمين، مقال "حاجة العلوم العربية إلى التجديد"، بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، لا يعتد في تجديدها ببلاغة أرسطو، ولا ببلاغة عبد القاهر الجرجاني، ولا ببلاغة السكاكي، وإنما يراهن في تجديده على اختيار الشاهد البلاغي من المحيط العصري المعيش اقتداء –في نظره- بعمل الأوربيين في هذا المجال.

1929- نشر لإدوار مرقص، مقال "نظرة في قواعد علوم العربية وآدابها"، بمجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، حاول فيه إدماج مباحث بلاغية في أخرى قصد التخفيف من كثرة مصطلحاتها لتداخل اختصاصاتها.

1938- ألّف عبد الله العلايلي، كتاب "مقدمة لدرس لغة العرب" دعا فيه إلى الإبقاء على مبحثي التشبيه والكناية فقط، أو الاقتصار على دراسة الحقيقة والمجاز وفق شروط تدمج المباحث البلاغية فيما بينها لتعدد مصطلحاتها.

1939- أصدر علي الجارم، ومصطفى أمين، كتاب "البلاغة الواضحة"، وهو كتاب تربوي تفنن مؤلفاه في اختيار الشواهد البلاغية من التراث الأدبي العربي، وعرضَا فيه البلاغة عرضًا ميسرًا، وبسطَا قواعدها وطريقة تحليلها، وقلّلا من كثرة تقسيمات فنونها.

1939- صدر لأحمد الشايب، كتاب "الأسلوب…" ، دعا فيه إلى تبني المقدمتين الجمالية والنفسية في البلاغة العربية، وسعى إلى نظرة بلاغية شمولية بدراسة أساليب الفنون الأدبية.

1944- ظهر لأمين الخولي، كتاب "مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب"، تتبع فيه تاريخ البلاغة، ودعا إلى نبذ منهج المدرسة الفلسفية وتعويضه بمنهج المدرسة الأدبية، كما دعا إلى وصل البلاغة بعلمي الجمال والنفس قصد تجديدها.

1945- صدر لسلامة موسى، كتاب "البلاغة العصرية واللغة العربية" هاجم فيه كل القيم اللغوية والبلاغية القديمة التي خلفتها الثقافة العربية، وفي مقابل ذلك أفرط في الدعوة إلى احتضان مظاهر الحداثة الغربية.

1947- صدر لأمين الخولي، كتاب "فن القول" وهو يمثل أشهر محاولة تجديدية للبلاغة العربية، قسمه إلى المبادئ: ويعني بها التعريف بالعلم وغايته وصلته بباقي العلوم؛ والمقدمات: ويعني بها المقدمتين الجمالية والنفسية في البلاغة؛ فالأبحاث: ويقصد بها دراسة الأساليب الأدبية حتى لا تنحصر دراسة البلاغة في الجمل.

1971- ألف محمد رجب البيومي، كتاب "البيان القرآني" دعا فيه إلى تطبيق شمولي لمباحث البلاغة على بيان إعجاز النص القرآني، حيث إن الإيجاز والإطناب والرقة والجزالة والتشبيه والكناية والاستعارة وغيرها، لا يجب أن تلتمس في الآية الواحدة، بل يلزم دراستها في السورة القرآنية بكاملها.

1979- ألف فتحي فريد، كتاب "المدخل إلى دراسة البلاغة" تناول فيه التجديد البلاغي وفق تقسيم اتجاهاته إلى نفسي وبياني وتربوي.

1979- صدر لبكري شيخ أمين، كتاب "البلاغة العربية في ثوبها الجديد" لم يأت فيه بجديد سوى إعادة ما صاغه القدماء في صور مخلة أحيانا.

1984- صدر لمحمد بركات حمدي أبي علي، كتاب "دراسات في البلاغة" دعا فيه إلى نظرة بلاغية شمولية تطبق على النص الأدبي تحت غطاء فني، ودعا إلى تكامل البلاغة مع غيرها من العلوم عند الضرورة، في كلام عابر غاب عنه التطبيق المفيد في هذا المجال.

1985- ألف مصطفى الصاوي الجويني، كتاب "البلاغة العربية تأصيل وتجديد" وهو تأليف حضر فيه التأصيل وغاب عنه التجديد غيابا تاما.

1986- ألف منير سلطان، كتاب "البديع تأصيل وتجديد" عاد من خلاله بالبديع إلى طابعه الفني، معتبرا البديع هو البيان، وهو البلاغة مقتديا بعمل عبد الله بن المعتز في هذا المجال.

1994- ظهر لخليل كفوري، كتاب "نحو بلاغة جديدة" اقتربت محاولته من تمثل وجهة نظر أمين الخولي التجديدية، غير أنه لم يشر إلى استفادته من كتاب فن القول.

1995- صدر لمصطفى الصاوي الجويني، كتاب "مدارس البلاغة المعاصرة" أقام دراسته على اعتبارات "مكانية" حسب مواقع الكليات، وأبعد من اعتباره المعيار النقدي للمدارس البلاغية المعاصرة، وهو ما يوهم به عنوان الكتاب.

1997- صدر لمحمد عبد المطلب كتاب "البلاغة العربية قراءة أخرى" طبق فيه النظرية اللسانية التحويلية على علوم البلاغة العربية قصد تجديدها.

1998- صدر لجميل عبد المجيد، كتاب "البديع بين البلاغة العربية واللسانيات النصية" عمد فيه إلى تطبيق النظرية النصية قصد تجاوز النظرة التحسينية لعلم البديع إلى نظرة دلالية تربط بين أجزاء النص الأدبي بإقامة علاقات السبك والحبك.

لقد ركز هذا التتبع التاريخي للمحاولات التجديدية البلاغية على الدراسات الأساس دون ذكر للمحاولات المساعدة أو الآراء التجديدية الثانوية أو المواقف التي تناولت قضايا تجديدية جزئية، لأن الحكم النقدي التقويمي على الأساسي يفي بتقويم الجزئي.

ولتحقيق هذه الغاية: اعتمد منهج الدراسة على خطوات الوصف والتحليل والتقويم، واستقرت هذه الخطى في التصميم الذي استوى عليه الموضوع في مقدمة وتمهيد وفصول أربعة وخاتمة.

فأما التمهيد فقد خصص لبحث إشكالات التجديد ومعاييره، وشمل الحديث فيه مجالين أساسين هما: مجال إشكالات الموضوع، ومجال معايير تقويمها. وركز المحور الأول، على ما يثيره مصطلح "التجديد" في ذاته بحكم وقوعه بين معطيين قديم وحديث، مما يسبب الخلط بين مفهومه، وبين مفاهيم أخرى من قبيل البعث والنهضة والحداثة والمعاصرة، بالإضافة إلى إشكال تجديد البلاغة بحكم ارتباط البيان العربي بالقضية الإعجازية، وهو أمر يستتبع طرح السؤال: هل يتسع صدر الزمن لاحتضان جهود المجددين المحدثين كيفما كانت منطلقاتهم وطرائقهم وأهدافهم؟

يضاف إلى ذلك كله الاعتبار الزمني، أي القراءات الحديثة للبلاغة القديمة، بمعنى الازدواجية التي تطبع علاقة المادة القديمة بالمناهج الحديثة، مما يستتبع تساؤلات من قبيل:

- هل ضاق ثوب التراث البلاغي العربي عن احتواء جسد الإبداع الحديث حتى أضحى تجديد البلاغة أمرا ملحا؟

- هل استوفى المحدثون معرفتهم بالتراث البلاغي، وتبينوا ما ينطوي عليه من قيم تمثلوها تمثلا واعيا ومستوعبا يمكنهم من إضافة جديد إلى القديم؟

- هل تستطيع المحاولات التجديدية أن تقدم بديلا شافيا يسد ثلمة الماضي، ويشفي غلة الحاضر، ويؤمن حاجة المستقبل؟

- ما هي الشروط المعرفية والمنهجية لقراءة المادة البلاغية القديمة بالمناهج النقدية الحديثة؟

أما المحور الثاني، من التمهيد فقد خصص لمعايير تقويم إشكالات الموضوع، والتساؤلات التي تثيرها المحاولات التجديدية. لذلك ركز الحديث فيه على تحديد ماهية للتجديد، والأداة التي يتحقق بها، والوظيفة المنهجية التي يقوم عليها.

وأما الفصل الأول فخصص لأسس المحاولات التجديدية، وحددت في أسس ثلاثة وهي: الأساس الذي اعتمد القول بفكرة جمود الذوق العربي بعد القرن الهجري السابع. والأساس الذي ركن إلى اعتماد الإطلاع على المعارف الأجنبية من قبيل علوم الجمال والنفس والأسلوبية بصفتها أسسا صالحة لبناء تجديد بلاغي. والأساس البعثي للتجديد، مادام البعث يسبق التجديد بالضرورة ويؤسس دعامته.

وأما الفصل الثاني: فعالج قضايا التيار التراثي في المحاولات التجديدية، وتضمن مبحثين: أولهما في منهج الفصل، وتناول جهود المجددين الداعية إلى الفصل بين مباحث الفن البلاغي الواحد بدعوى التخفيف من كثرة المصطلحات وتداخل الاختصاصات، قصد تبسيط البلاغة وتيسير فهمها؛ والجهود الداعية إلى الفصل بين الفنون البلاغية أثناء دراستها وهو اتجاه كرسه التيار التجديدي التربوي؛ وارتقى هذا الاتجاه إلى الفصل بين البلاغة وعلوم العربية مثل النحو وأصول الفقه.

وتضمن هذا الفصل مبحثا مضادا للأول وهو: منهج الوصل الذي عالج الدعوة إلى صهر علوم البلاغة في وحدة بيانية، ثم عمل على ربط الصلة بين البلاغة والمعارف العربية.

وأما الفصل الثالث: فقد خصص لقضايا التيار الحداثي في المحاولات التجديدية، تناول مبحثه الأول مقارنات أقامها أمين الخولي، بين البلاغتين العربية القديمة والغربية الحديثة، وتناول مبحثه الثاني دعوات إلى حاجة البيان العربي إلى نظريات علمية حديثة من قبيل علمي الجمال والنفس والنظريتين الأسلوبية واللسانية، وتناول مبحثه الثالث دعوات الإعراض عن التراث البلاغي العربي في مقابل الاحتفاء بما هو أجنبي.

بينما خصص الفصل الرابع: لقراءة تقويمية للمحاولات التجديدية، تتبع مبحثه الأول وجوه الإخلال بضوابط التجديد، وشمل الحديث فيه الإخلال بالأسس التجديدية الداخلية والخارجية التي أقيمت عليها جهود المجددين، كما شمل هذا المبحث الحديث عن خلل الاتجاهات التجديدية البلاغية، حيث خلط التجديد بالبعث في التيار التراثي، وخلط التجديد بالمعاصرة في التيار الحداثي. أما المبحث الثاني فعرض خطوات منهجية قد تفيد في تجديد البلاغة العربية، ومنها منهج التكامل الداخلي بين علوم البلاغة فيما بينها بفضل رابطتها البيانية وبين علوم العربية من نحو وأصول، ومنها أيضا منهج التكامل الخارجي بين البلاغتين العربية والغربية بشروط تجعل من البيان العربي أصلا، والنظريات الحديثة فروعا مكملة بفضل الإمكانات التكاملية في المجالات التداولية والمعطيات الوظيفية التي تمكن من تطوير النظرات إلى نظريات.

بعد عرض محتويات الموضوع، يحسن الحديث عن النتائج التي أفضى إليها وهي مجملة في الآتي:

1-إن المبالغة في فكرة الجمود البلاغي العربي سهلت استقبال النظريات العلمية الحديثة وإدماجها في قضية تجديد البلاغة قبل فحص مضمرات التراث، وهو توجه أفضى بدوره إلى هلهلة دور البعث العربي الدافع بقوة التجديد، بعدما بنيت أسسه على أعمدة مهمشة. وعلى هذا الأساس يمكن القول إن الخلل في الأسس ورث الخلل في الممارسة التجديدية، وقد تمثلت في خلفيات انتقائية جزئية وشمولية.

2-الانتقاء الجزئي: وتمثل في اعتماد مباحث بلاغية دون غيرها بدعوى تبسيط البيان وتيسير فهمه، ثم ما رافق هذه الدعوات من توجهات أخرى من قبيل إقصاء علاقة البلاغة بعلوم العربية. وحين، حاول بعض المجددين جبر هذه الفجوة بالدعوة إلى وصل الفنون البلاغية فيما بينها ووصل علاقتها بالمعارف العربية، انتقل الانتقاء إلى الطابع الشمولي.

3-الانتقاء الشمولي: وظهر في التيارين التراثي والحداثي، ذلك أن الاتجاه التراثي ظل ملتفتا إلى الوراء في ممارسته التجديدية، وغيب الطرف الثاني ممثلا في المعطيات النقدية الحديثة. أما الاتجاه الحداثي، فقد سلك مسلكا مضادا عندما أغفل تقصي النظرات البلاغية العربية القديمة ولم يتخذ منها منطلقات يبني عليها نظريات، لذلك ترك العنان للإسقاط المنهجي في التعامل مع الدراسات الأسلوبية واللسانية في تجديد البلاغة العربية، وفي الاتجاهين معا –التراثي والحداثي- غاب مبدأ "قتل القديم والحديث فهما".

4-وبناء على ما سبق، فقد غاب التجديد عن المحاولات المدروسة بسبب انعدام العمل بتحديد مفهوم للتجديد يؤسس للتصور السليم في الممارسة التجديدية، وانعدام الاهتمام بتحصيل الأدوات المعرفية الكفيلة بتقوية القديم لاستمرار حياته، وتشذيب فروع الدخيل من كل تعميم، ثم انعدام العمل بالمنهج التكاملي الذي يخدم الممارسة التجديدية ويحفظ التوازن للعلاقات بين القديم والحديث.

الأسلوبية .. دراسة موجزة نظرية تطبيقية


أسماء السقيلي

لقد تقدمت المناهج النقدية في عالمنا العربي تقدماً ملحوظاً وإن لم تكن قد وصلت إلى المستوى الذي وصلت إليه أوروبا بيد أن النقاد العرب قد شغفوا بها وأخذوا بلجامها في دراسة وتحليل وتقويم النص الأدبي..

ومن هذه المناهج التي خدمت النصوص الأدبية وبلورت جمالياتها هي (الأسلوبية)..

فماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو “الأسلوبية”؟

المنهج

كما عرفه الجيلالي: (طريقة موضوعية يسلكها الباحث في تتبع ظاهرة، أو استقصاء خبايا مشكلة ما لوصفها أو لمعرفة حقيقتها وأبعادها ليسهل التعرف على أسبابها وتفسير العلاقات التي تربط بين أجزائها ومراحلها وصلتها بغيرها من القضايا، والهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى نتائج محددة يمكن تطبيقها وتعميمها في شكل أحكام أو ضوابط وقوانين للإفادة منها فكرياً وفنياً) (1).

 

أما الأسلوب:
ففي لسان العرب يقال للسطر من النخيل أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب الفن يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي أفانين منه.(2)
وعرف “ريافتير” الأسلوب بأنه: “كل شيء مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدباً”.(3)
ويعتبر شارل بالي الفرنسي النمساوي تلميذ دي سوسير “مؤسس المنهج البنيوي” من أوائل المؤسسين لهذا المنهج وتبعه جاكبسون الذي عرف الأسلوبية بأنها “البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانياً”.(4)

وقد ألمح عبد القاهر الجرجاني إلى الأسلوب في نظرية النظم، فالنظم عند الجرجاني هو الأسلوب، ومن هذه النظرية بنى الأسلوبيون منهجهم الحديث “الأسلوبية” فأضحت بفضل الكثير من الملاحظات المتراكمة علماً خاصاً بدراسة جماليات الشعر والنثر.
ولم يعد المنهج الأسلوبي يعتمد على الألفاظ وعلاقاتها بالجمل والتراكيب والقواعد النحوية فحسب بل ” توسع مفهوم علم الأسلوب ليشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات و صيغ و كلمات وتراكيب فتداخل مع علم الأصوات و الصرف و الدلالة و التراكيب لتوضيح الغاية منه, و الكشف عن الخواطر و الانفعالات و الصور , وبلوغ أقصى درجة من التأثير الفني , بل توسع أكثر من ذلك أخيرا (5) و اشتمل على علم النفس و الاجتماع و الفلسفة وعلوم أخرى شهدت دقة مناهجها ومدى صلاحيتها في إغناء المنهج الأسلوبي.
يقول غزوان ” وقد أدى الاهتمام بدراسة الأسلوب وتحليله لغويا على وفق معايير لغته أو فنياً على وفق المعايير الفنية , إلى ظهور ما يسمى بالأسلوبية اللغوية التي ترى أن الأسلوب قد يكون انزياخا أو انحرافا, أو عدولا عن السياق اللغوي المألوف في هذه اللغة أو تلك , أو قد يكون تكرارا للمثال , أو النموذج النصي الذي يهتم به الذوق العام أو قد يكون كشفا خاصا لبعض أصول اللغة ومرجعياتها ولا سيما في الوجه الجمالي للتعبير أو ما يسمى بالوجه البلاغي أو البياني”(6)

ومن هنا نستخلص بأن الأسلوبية إنما تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات اللغوية التي تمهد لدراسة النص الأدبي , لأن الناقد الأدبي -على حد تعبير غزوان- قبل كل شيء يجب أن يكون لغويا جيدا لأنه” لا وجود لأي نص أدبي خارج حدود لغته”(7) وهذا يدفعنا إلى أن الأسلوبية لا تكتفي البتة ببنية النص كما هي البنيوية بل تنظر إلى ما يحيط بها نظرة شمولية تهدف من وراءها إلى خلق جماليات النص الأدبي و تنويره للقارئ.
هذا بالإضافة إلى علاقتها بالبلاغة العربية و ما يعرف بالانزياح و التكرار و الإيحاءات التي يستشفها الناقد من السياقات المختلفة.
ويتحدد المنهج الأسلوبي وفق خمسة اتجاهات(8) :

1- الأسلوبية الصوتية:
وهي التي تهتم بالأصوات و الإيقاع و العلاقة بين الصوت و المعنى.

2-الأسلوبية الوظيفية:
وتهتم بدراسة العدول أو ما يسمى بالانحراف أو الانزياح.
وتقوم على مبدأين:
أ‌-دراسة نصوص كثيرة تمثل أنواعاً أدبية مختلفة وأجناسا متعددة وعصورا بغية الكشف عن الآليات التي تتحكم في تكوين الأسلوب الشعري.
ب‌- الإفادة من نتائج علم النفس ..فدراسة العمل الأدبي أسلوبياً يتطلب التحرك بمرونة قصوى بين الأطراف و المركز الباطني للنص , والوصول إلى تلك النتائج يتطلب إعادة قراءة النص مرارا.

3-الأسلوبية التعبيرية:
وكان رائدها بالي الذي شق الطريق للتفريق بين أسلوبين أحدهما ينشد التأثير في القارئ و الآخر لا يعنيه إلا إيصال الأفكار بدقة . وطور تلاميذه هذا الاتجاه عن طريق التوسع في دراسة التعبير الأدبي , فالكاتب لا يفصح عن إحساسه الخاص إلا إذا أتيحت له أدوات ملائمة , وما على الأسلوبي إلا البحث عن هذه الأدوات.

4-الأسلوبية الإحصائية:

تقوم على دراسة ذات طرفين , أولهما: هو التعبير بالحدث , و الثاني هو التعبير بالوصف , ويعني بالأول الكلمات أو الجمل التي تعبر عن حدث و بالتالي الكلمات التي تعبر عن صفة , ويتم احتساب عدد التراكيب و القيمة العددية الحاصلة تزيد أو تنقص تبعاً لزيادة أو نقص عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب , وتستخدم هذه القيمة في الدلالة على أدبية الأسلوب و التفريق بين أسلوب كاتب و كاتب .
فمثلاً كتاب ” الأيام” لطه حسين تبين مثلاً أن نسبة الجمل الفعلية إلى الوصفية 39% في حين أن نسبة تكرار هذه الجمل في كتاب ” حياة قلم” للعقاد لا تتعدى 18% , ومعنى ذلك أن كتاب الأيام أقرب إلى الأسلوب الانفعالي و الحركي من كتاب العقاد الذي يميل فيه إلى الطابع الذهني العقلاني
5-الأسلوبية النحوية:
تهتم بدراسة العلاقات و الترابط و الانسجام الداخلي في النص و تماسكه عن طريق الروابط التركيبية المختلفة , ومن هذه العلاقات : استخدام الضمائر و العطف و التعميم بعد التخصيص… وهذه العلاقات يلجأ إليها الكاتب لتنظيم جملة بعضها إلى جانب بعض مما يؤدي إلى تماسكها و ترابطها ..

وعلى هذا فإن الأسلوبية تواصل تأملها لعالم النص عن طريق القراءة المتعددة الوجوه , وتتحدد هذه الاتجاهات بعضها مع بعض في كيان عضوي يجذب القارئ و يستثير تساؤلاته.