الخميس، 19 سبتمبر 2013

الأسلوبية .. دراسة موجزة نظرية تطبيقية


أسماء السقيلي

لقد تقدمت المناهج النقدية في عالمنا العربي تقدماً ملحوظاً وإن لم تكن قد وصلت إلى المستوى الذي وصلت إليه أوروبا بيد أن النقاد العرب قد شغفوا بها وأخذوا بلجامها في دراسة وتحليل وتقويم النص الأدبي..

ومن هذه المناهج التي خدمت النصوص الأدبية وبلورت جمالياتها هي (الأسلوبية)..

فماذا يقصد بالمنهج الأسلوبي أو “الأسلوبية”؟

المنهج

كما عرفه الجيلالي: (طريقة موضوعية يسلكها الباحث في تتبع ظاهرة، أو استقصاء خبايا مشكلة ما لوصفها أو لمعرفة حقيقتها وأبعادها ليسهل التعرف على أسبابها وتفسير العلاقات التي تربط بين أجزائها ومراحلها وصلتها بغيرها من القضايا، والهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى نتائج محددة يمكن تطبيقها وتعميمها في شكل أحكام أو ضوابط وقوانين للإفادة منها فكرياً وفنياً) (1).

 

أما الأسلوب:
ففي لسان العرب يقال للسطر من النخيل أسلوب، وكل طريق ممتد فهو أسلوب، والأسلوب الفن يقال أخذ فلان في أساليب من القول: أي أفانين منه.(2)
وعرف “ريافتير” الأسلوب بأنه: “كل شيء مكتوب وفردي قصد به أن يكون أدباً”.(3)
ويعتبر شارل بالي الفرنسي النمساوي تلميذ دي سوسير “مؤسس المنهج البنيوي” من أوائل المؤسسين لهذا المنهج وتبعه جاكبسون الذي عرف الأسلوبية بأنها “البحث عما يتميز به الكلام الفني عن بقية مستويات الخطاب أولاً، وعن سائر أصناف الفنون الإنسانية ثانياً”.(4)

وقد ألمح عبد القاهر الجرجاني إلى الأسلوب في نظرية النظم، فالنظم عند الجرجاني هو الأسلوب، ومن هذه النظرية بنى الأسلوبيون منهجهم الحديث “الأسلوبية” فأضحت بفضل الكثير من الملاحظات المتراكمة علماً خاصاً بدراسة جماليات الشعر والنثر.
ولم يعد المنهج الأسلوبي يعتمد على الألفاظ وعلاقاتها بالجمل والتراكيب والقواعد النحوية فحسب بل ” توسع مفهوم علم الأسلوب ليشمل كل ما يتعلق باللغة من أصوات و صيغ و كلمات وتراكيب فتداخل مع علم الأصوات و الصرف و الدلالة و التراكيب لتوضيح الغاية منه, و الكشف عن الخواطر و الانفعالات و الصور , وبلوغ أقصى درجة من التأثير الفني , بل توسع أكثر من ذلك أخيرا (5) و اشتمل على علم النفس و الاجتماع و الفلسفة وعلوم أخرى شهدت دقة مناهجها ومدى صلاحيتها في إغناء المنهج الأسلوبي.
يقول غزوان ” وقد أدى الاهتمام بدراسة الأسلوب وتحليله لغويا على وفق معايير لغته أو فنياً على وفق المعايير الفنية , إلى ظهور ما يسمى بالأسلوبية اللغوية التي ترى أن الأسلوب قد يكون انزياخا أو انحرافا, أو عدولا عن السياق اللغوي المألوف في هذه اللغة أو تلك , أو قد يكون تكرارا للمثال , أو النموذج النصي الذي يهتم به الذوق العام أو قد يكون كشفا خاصا لبعض أصول اللغة ومرجعياتها ولا سيما في الوجه الجمالي للتعبير أو ما يسمى بالوجه البلاغي أو البياني”(6)

ومن هنا نستخلص بأن الأسلوبية إنما تعتمد اعتمادا كبيرا على الدراسات اللغوية التي تمهد لدراسة النص الأدبي , لأن الناقد الأدبي -على حد تعبير غزوان- قبل كل شيء يجب أن يكون لغويا جيدا لأنه” لا وجود لأي نص أدبي خارج حدود لغته”(7) وهذا يدفعنا إلى أن الأسلوبية لا تكتفي البتة ببنية النص كما هي البنيوية بل تنظر إلى ما يحيط بها نظرة شمولية تهدف من وراءها إلى خلق جماليات النص الأدبي و تنويره للقارئ.
هذا بالإضافة إلى علاقتها بالبلاغة العربية و ما يعرف بالانزياح و التكرار و الإيحاءات التي يستشفها الناقد من السياقات المختلفة.
ويتحدد المنهج الأسلوبي وفق خمسة اتجاهات(8) :

1- الأسلوبية الصوتية:
وهي التي تهتم بالأصوات و الإيقاع و العلاقة بين الصوت و المعنى.

2-الأسلوبية الوظيفية:
وتهتم بدراسة العدول أو ما يسمى بالانحراف أو الانزياح.
وتقوم على مبدأين:
أ‌-دراسة نصوص كثيرة تمثل أنواعاً أدبية مختلفة وأجناسا متعددة وعصورا بغية الكشف عن الآليات التي تتحكم في تكوين الأسلوب الشعري.
ب‌- الإفادة من نتائج علم النفس ..فدراسة العمل الأدبي أسلوبياً يتطلب التحرك بمرونة قصوى بين الأطراف و المركز الباطني للنص , والوصول إلى تلك النتائج يتطلب إعادة قراءة النص مرارا.

3-الأسلوبية التعبيرية:
وكان رائدها بالي الذي شق الطريق للتفريق بين أسلوبين أحدهما ينشد التأثير في القارئ و الآخر لا يعنيه إلا إيصال الأفكار بدقة . وطور تلاميذه هذا الاتجاه عن طريق التوسع في دراسة التعبير الأدبي , فالكاتب لا يفصح عن إحساسه الخاص إلا إذا أتيحت له أدوات ملائمة , وما على الأسلوبي إلا البحث عن هذه الأدوات.

4-الأسلوبية الإحصائية:

تقوم على دراسة ذات طرفين , أولهما: هو التعبير بالحدث , و الثاني هو التعبير بالوصف , ويعني بالأول الكلمات أو الجمل التي تعبر عن حدث و بالتالي الكلمات التي تعبر عن صفة , ويتم احتساب عدد التراكيب و القيمة العددية الحاصلة تزيد أو تنقص تبعاً لزيادة أو نقص عدد الكلمات الموجودة في هذه التراكيب , وتستخدم هذه القيمة في الدلالة على أدبية الأسلوب و التفريق بين أسلوب كاتب و كاتب .
فمثلاً كتاب ” الأيام” لطه حسين تبين مثلاً أن نسبة الجمل الفعلية إلى الوصفية 39% في حين أن نسبة تكرار هذه الجمل في كتاب ” حياة قلم” للعقاد لا تتعدى 18% , ومعنى ذلك أن كتاب الأيام أقرب إلى الأسلوب الانفعالي و الحركي من كتاب العقاد الذي يميل فيه إلى الطابع الذهني العقلاني
5-الأسلوبية النحوية:
تهتم بدراسة العلاقات و الترابط و الانسجام الداخلي في النص و تماسكه عن طريق الروابط التركيبية المختلفة , ومن هذه العلاقات : استخدام الضمائر و العطف و التعميم بعد التخصيص… وهذه العلاقات يلجأ إليها الكاتب لتنظيم جملة بعضها إلى جانب بعض مما يؤدي إلى تماسكها و ترابطها ..

وعلى هذا فإن الأسلوبية تواصل تأملها لعالم النص عن طريق القراءة المتعددة الوجوه , وتتحدد هذه الاتجاهات بعضها مع بعض في كيان عضوي يجذب القارئ و يستثير تساؤلاته.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق