الجمعة، 7 يونيو 2013

حول كتاب "تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين


 حول كتاب "تاريخ التراث العربي" لفؤاد سزكين.


إعداد :
1ـ محمد صوضان
2ـ الحسين إفقيرن

                      مقدمة

عرف العرب ألوانا من الحضارات في جاهليتهم الأولى مع المعينيين والسبئيين ومن جاء بعدهم ،لكن سرعان ما خبا توهجها،وامتد إليها الوهن فالفتور؛ولم يأت القرن الخامس الميلادي حتى اندثرت،غير بقية من أشعار وأنساب وتواريخ لم يطلها الدروس لتوافر أسبابها وحاجتهم إليها،فلما جاء الإسلام وسع هذه المعارف،وزادها بأحكام القرآن وتشريعاته وما تضمنتها من أحكام،فظهر في مجال العمران توسيع الرقعة الإسلامية بفتح البلدان للتبشير بالدين الجديد،وتخطيط المدن الجديدة ذات الطابع الإسلامي،بينما ظهر في مجال الفكر محاربة السائد من العقائد الفاسدة ،والخرافات ،ومدارسة القرءان وأحاديث الرسول،ولم يأت العصر الأموي حتى بدأت العلوم الإسلامية في النشوء،لتتطور وتبلغ أوجها مع العصر العباسي؛هذا العصر الذي يمثل ذروة ما وصل إليه الفكر الإسلامي في العصور الخالية،بما عرفه من تتطور العلوم،واستوعب من حضارات قديمة،وتمثلها،وزاد عليها،وألم بتراث الماضين من العلماء والفلاسفة والأدباء،فنفقت سوق التأليف والترجمة والدرس في جميع حقول المعرفة،لذلك لا جرم أن نرى المستشرقين من الغربيين اهتموا بهذا التراث الضخم دراسة،وتأريخا،وتحقيقا،فأسفر التأريخ للأدب العربي عن عدة مؤلفات قيمة،كان من جملتها تاريخ الأدب العربي لكارل بروكلمان،وآخر بنفس العنوان لبلاشير،وغيرها من دراسات العرب والمستشرقين،إلا أن الدراسة التي قام بها فؤاد سيزكين حول التراث العربي في كتابه القيم " تاريخ التراث العربي " تعد بحق هي الأولى من نوعها،فهو في هذا المجال يغني عن كل كتاب،كما قال أستاذنا،لذلك ووعيا  منا بقيمة الكتاب حاولنا إعطاء نظرة عامة حوله،علها تكون  نبراسا لمن يحتاج إلى الاستزادة منه.

وقد اشتمل هذا العرض بالإضافة إلى المقدمة التمهيدية على ستة مباحث .

المبحث الأول :ترجمة موجزة للمؤلف

المبحث الثاني:أسباب التأليف

المبحث الثالث:العراقيل التي واجهت المؤلف أثناء التأليف

المبحث الرابع:منهج المؤلف في الكتاب.

 المبحث الخامس:منهج المؤلف في تراجم الكتاب.

المبحث السادس :مترجموا الكتاب ومراحل ترجمته

المبحث الأول:ترجمة موجزة للمؤلف:

ولد فؤاد سيزكين سنة (1924) في مدينة إستانبول بتركيا،وفيها أكمل دراسته الابتدائية والثانوية،وكان ينوي الدراسة في الجامعة التكنولوجية،إلا أن أحد أقربائه أخذه إلى المستشرق "هيلموت رويتر" وأقنعه هذا بضرورة دراسة التراث العربي،فضلا عن الرياضيات ليرضي طموحه العلمي،وأثناء هذه الفترة  تعلم اللغة العربية حتى غدا قادرا على التحدث بها بطلاقة،وفي سنة (1947) بدأ بجمع مادة كتابه حول التراث العربي،قبل أن يعين أستاذا في جامعة استانبول سنة (1954)،وهي نفس السنة التي نال فيها درجة الدكتوراه بأطروحته حول " مصادر البخاري " وفي سنة (1960)طرد من  تركيا،فلجأ إلى ألمانيا،وفيها أصدر الجزء الأول من كتابه سنة (1963) وواصل عمله هذا إلى أن بلغ بكتابه اثنا عشر مجلدا،في علوم العربية؛التي شملت العلوم الأدبية،والطب،والكيمياء،والجغرافيا،وغيرها،وفي سنة (1978) نال جائزة الملك فيصل في العلوم الإسلامية،ليقوم بتأسيس معهد تاريخ العلوم العربية الإسلامية في إطار جامعة فرانكفورت،سنة  (1982) كما نال عدة أوسمة أخرى في ألمانيا تقديرا لجهوده في مجال البحث .

  المبحث الثاني:أسباب التأليف :

إن لكل عمل سببا مقنعا يدفع إليه،وغاية ترجى من ورائه،وكان السبب والدافع للمؤلف لتأليف كتابه هذا،رغبته في وضع ملحق لكتاب تاريخ الأدب العربي لبروكلمان،بالاعتماد على المخطوطات الموجودة في مكتبات استانبول،إلا أنه بعد صدور الجزء الأول والثاني،اتضح أنه عمل جديد مستقل عن كتاب بروكلمان،لذلك حاول المؤلف الانتقال من منهجه الذي هو بالدرجة الأولى منهج بيبليوغرافي يولي العناية الكبرى لإحصاء مصادر الثقافة العربية،ليواصل بالمجلدات التالية كتابة تأريخ للعلوم الإسلامية المكتوبة بالعربية،وقام بدراسة كل المواد المتاحة له،وحققها وراجع كل ما ذكره بروكلمان،وأضاف إليه معلومات جديدة،خصوصا وأن الدراسات في هذا المجال قد تقدمت،وكثير من المصادر العربية قد حققت.

وكان قد اعتزم القيام بهذا العمل مع المستشرق الألماني "ريشر" ، الذي قضى جلّ حياته في مكتبات استانبول،إلا أن موقف المؤلّف في تغيير خطة الكتاب بالإضافة إلى تقدم ريشر في السن،قد حالا دون ذلك .

المبحث الثالث:العراقيل التي واجهت المؤلّف أثناء التأليف:

إن كل عمل ضخم لابدّ أن تواجه صاحبَه عراقيلُ،قد تحول دونه لاسيما في مجال البحث والدراسة،ولكن عندما يرى الباحث أبعاد ومآلات عمله،ويدرك حقيقة الصّعوبات التي تعترض سبيله،يكون إقدامُه على عمله جريئا وارتباطه بموضوعه وثيقا،ولاسيما إذا كانت المادة التي جمعها غنيةً وغزيرةً .

وكانت العراقيل التي واجهت المؤلف ذات شقين اثنين : ماديّ ومعنويّ،ويتمثل الأول في قيامه بعدة رحلات إلى جميع أنحاء أوروبا،وشمال إفريقيا،والشرق الأدنى والأوسط،وصولا إلى الهند،وكل هذه الرحلات أنفق عليها من ماله الخاص،بالإضافة إلى تكاليف مساعديه،وما دفعه ثمناً للمراجع والفهارس وتصوير المخطوطات واستخراج المقالات من المجلات العلمية ،وكانت هيأة اليونسكو قد رصدت مبلغا هاما لمساعدته في مشروعه هذا،إلا أن مثل هذا العمل الذي لن يقوم به شخص واحد في نظرها حال دون ذلك،قال:"والسبب الحقيقي في هذا التأجيل ،أنهم رأوا وجوب اشتراك مجموعة من العلماء في عمل كهذا،يقوم كلّ منهم ببحث مجال من مجالات التراث العربي ". (تاريخ التراث العربي ـ المجلد  1 ـ الجزء 1 ـ  ص 11 ) .

 ويتمثل الثاني في توافر عوامل،كان من الممكن أن تدفعه إلى الخوف والإحجام عن تنفيذ عمله هذا،خصوصا وأن الآراء حول عمل من سبقه في هذا المجال متفاوتة،والحكم عليهم قاس،والنقد الذي نالوه لاذع،والأخطاء التي وقعوا فيها عديدة ،لذلك رأى أن هذا العمل مغامرة أقدم عليها ". (تاريخ التراث العربي ـ المجلد 1 ـ الجزء 1 ـ ص 11 ) .

المبحث الرابع:منهج المؤلف في الكتاب :

إن الإلمام بالطريقة أو المنهج الذي اتبع في تأليف كتاب من الكتب،لهو خير معين للطالب على الوصول إلى بغيته ومراده بمجهود أقل،وفي فترة زمنية يسيرة،لذلك نرى غالب المؤلفين القدماء والمعاصرين لا يدخرون جهدا في رسم مناهج التأليف التي ساروا عليها في أوليات كتبهم،لهذا وغيره حاولنا أن نتلمس الخطة التي درج عليها المؤلف في كتابه،لعلنا نوفق إلى إعطاء صورة تقريبية للطالب،علها تفيده عند تصفح الكتاب وتضيف إلى مدخره من المعلومات جديدا.

يبتدئ المؤلف في جل أجزاء كتابه قبيل الحديث عن علم من العلوم الإسلامية،بمقدمة تاريخية حول أهم الدراسات الاستشراقية،والعربية التي أنجزت عنه (تاريخ التراث العربي_ المجلد 2_الجزء 1 _ص 3 ) . ثم يصوغ بعدها تمهيدا،يتناول فيه نشأة ذلك العلم،اعتمادا على بعض الدراسات السابقة عليه،أو على بعض الأسماء التي تظهر بين الفينة والأخرى في أسانيد بعض  الكتب القديمة (تاريخ التراث العربي_ المجلد 1_الجزء 1 _ ص 117) . أو بالاستناد إلى من نقلوا عن كتب درست واستغني عنها بعض ظهور ما يضاهيها في مجالها،وغالبا ما نرى المؤلف يجعل مولدها في العصر الأموي،باستثناء بعض العلوم التي تمتد جذورها إلى صدر الإسلام أو قبله،كالقراءات القرآنية،والشعر،والأنساب،ثم ينتقل إلى عرض تراجم من عنوا بهذه العلوم وغذوها بقرائحهم،تحت فصول يعنون لها غالبا بكتب فن كذا في العصر الأموي أو العباسي (تاريخ التراث العربي_ المجلد 1_الجزء 4 _ ص 95ـ103).أو كتاب الفن كذا في العصر الأموي أو العباسي كذلك (تاريخ التراث العربي_ المجلد 1_الجزء 4 _ ص 7ـ35) . أو نسبة العلماء أو المؤلفين إلى أقاليمهم، كما فعل مثلا مع الشعراء و اللغويين حيث يورد شعراء ولغويي البصرة والكوفة تحت فصل "اللغويون والشعراء في العراق " (تاريخ التراث العربي ـ المجلد 8ـالجزء1ـ2 ص 78ـ199) . سواء منهم المؤلفون أو غيرهم، موزعا إياهم على فترتين زمنيتين في الغالب؛ تتمثل الأولى في العصر الأموي، لتبدأ الثانية أواخر هذا العصر وتمتد إلى أوائل العقد الثالث من المائة الرابعة (430) . ولم نعلم السبب الذي جعل المؤلف يقف عند هذا التاريخ.أيكون ذلك لاعتبارات في التأليف ؟أم أنه نظر إلى هذه الفترة على أنها مبلغ تطور العلوم الإسلامية ؟خصوصا وأن العلوم العربية في هذا التاريخ قد استقلت،وساد فيها التقليد،واجترار ما قيل،وأصبح العلماء يتفننون في تذييل الكتب بالشروح،والشروح بالحواشي،وهذه بالتعليقات،وصارت غاية التأليف من أجل التأليف فقط ،لا من أجل العلوم ،ولأن التأليف وظيفة العلماء،كما قال الرافعي .

ثم في آخر بعض الأجزاء،يقوم بذكر بعض المؤلفين المجهولين (تاريخ التراث العربي_ المجلد 8_الجزء 1 ص 494). والكتب التي جهل مؤلفوها،ثم الكتب التي لم يصلنا منها إلا نتف قليلة،مبثوثة في ثنايا بعض المصادر القديمة،كما قام في بعض الأجزاء بوضع فهارس للمؤلفين والعلماء أو غيرهم ممن تعرض  لذكرهم في ثنايا الكتاب أصالة أو عرضا ،والأمر نفسه ينطبق على المؤلفات ،(تاريخ التراث العربي_ المجلد 1ـ8 ).وفي آخر جزء من الكتاب قام بسرد المخطوطات العربية الموجودة في بعض  مكتبات العالم،مقدما تلك التي تعرض لها بروكلمان في كتابه القيم ،ثم يردفها بما وقف عليه بنفسه،وقد بزّ سابقيه في هذا المجال،إذ لم يكتف بإيراد المخطوطات كما فعل بروكلمان ،بل عني أيضا بذكر تاريخ نسخها ،وعدد أوراقها ،أو صفحاتها ،وأجزائها،قال :"ولقد ذكرت أولا المخطوطات التي قدمها بروكلمان ،ثم أتبعتها بالمخطوطات الجديدة التي عثرت عليها ،وأضفت معلومات جديدة مكملة مثل :تاريخ المخطوطات وعدد أوراقها وصفحاتها وكذلك عدد أجزائها. (تاريخ التراث العربي_ المجلد  1 ـ الجزء 1 ـ ص 12).

المبحث الخامس:منهج المؤلف في تراجم الكتاب:

إن التأريخ للرجال هو جزء من التأريخ للعلوم ،إذ هم الأركان التي قالت عليها،وعليهم استندت في جميع مراحلها إلى أن قامت على سوقها ،واستوت مكمولة الخلقة ،وقد عرف هذا النوع من التأليف في جميع مراحل الفكر العربي الإسلامي ، وما كتب الطبقات ، والرجال ،والمسانيد ،والمعاجم،والمشيخات ،والبرامج ،والسير إلا غيض من فيض،لذلك ارتأينا أن ندبج بعض ما عن لنا عن منهج المؤلف في التراجم فنقول :إن المؤلف في إيراده لترجمة من التراجم يفتتحها باسم المؤلف ،منسوبا إلى أبيه فجده ،ثم يبين أصله ،ومحل ولادته،وتاريخها،بالتقويمين الهجري والميلادي ،ثم يذكر بعض تلامذته وشيوخه ،ليخلص في الأخير إلى ذكر محل وتاريخ وفاته .

 بعد هذا ينتقل إلى ذكر المصادر القديمة مرتبة ترتيبا تاريخيا في الأغلب الأعم ،بعدها تأتي المراجع والدراسات التي بحثت ناحية من نواحي المترجم له ،سواء في ذلك دراسات العرب أو المستشرقين ،ولا بأس أن نورد مثالا على ما نزعم ،ففي سياق سوقه لترجمة ابن عامر(118)،وهي الترجمة الأولى في الكتاب ،جاءت مصادرها كالتالي :

ـ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي(ت 240 ) .

ـ الفهرست لمحمد بن اسحاق بن النديم (ت 380 / 385 /400 ).

ـ ميزان الاعتدال للحافظ الذهبي (ت 774 ).

- غاية النهاية في طبقات القراء لابن الجزري (ت 833) .

ـ التهذيب لابن حجر العسقلاني (ت 852 ).

الأعلام لخير الدين الزر كلي (ت 1967 م ).

ثم يختم الترجمة بسوق آثاره المطبوعة منها ،والمخطوطة ،ذاكرا مكان الطبع وزمانه بالنسبة للمطبوعات ،وأماكن المخطوطات في مكتبات العالم ،وغالبا ما يقدم وصفا موجزا عن المخطوطة ؛من حيث موضوعها ،وما تطرقت إليه من فنون ،وتاريخ نسخها ،والمكتبة التي  توجد فيها ،ورقمها الترتيبي ضمن المجموعة التي تنتمي إليها وفي ،أحايين نادرة ،يذكر من نقل عنها ،أو تأثر بها .

المبحث السادس :مترجموا الكتاب ومراحل ترجمته:

ظهر كتاب التراث العربي لفؤاد سيزكين باللغة الألمانية في العقد السادس من القرن الماضي ،على شكل أجزاء متتابعة ،كلما أنهى المؤلف جزءا دفعه إلى المطبعة ،ولم تبزغ فكرة ترجمة الكتاب في أذهان الباحثين العرب  إلا في بداية السبعينيات من القرن العشرين ،وكان من الساقين إلى هذا العمل العظيم ؛كل من الدكتور محمود فهمي حجازي وفهمي أبو الفضل إبراهيم ،فقد نقلا الجزء الأول إلى العربية ،وتم نشره سنة (1977)على نفقة الهيأة المصرية ،إلا أن فهمي أبا الفضل إبراهيم ،فارق الحياة قبل أن يرى عمله النور ،وفي سنة (1978) تولت جامعة الرياض وجامعة محمد بن سعود الإسلامية ترجمة ما نشر من الأصل الألماني إلى ذلك الوقت ،فتكفلت الأولى بترجمة الجلد الثالث والرابع الخامس والسادس والسابع ،بينما تولت الثانية ترجمة باقي الكتاب ،ليتم طبعه كاملا سنة (1991)بمناسبة افتتاح المدينة الجامعية بالمملكة العربية السعودية على نفقة أمير منطقة الرياض ،وقد ساهم في ترجمة الكتاب غير من ذكر،كل من الدكتور مصطفى عرفة ،ومحمد سعيد عبد الرحيم ،كما قام بمراجعة الترجمة الدكتور عبد الفتاح الحلو ،وعبد القدوس أبو صالح ،وعبد الفتاح أبوغدة ،وصالح الفوزان ،و محمد الصالح ،وقام بالإشراف على الطباعة ،عبد الله بن ادريس والسيد عبد الله الموسى .

وختاما نقول :إن كتاب فؤاد سيزكين يعد تتويجا لجهود من تقدموه في مجال التأليف

 حول الثقافة العربية عموما ،بما حواه من مادة علمية غزيرة ،ومن منهج رصين في التأليف ،لذلك لا نستغرب تربعه على قمة المؤلفات التي حاولت تناول الثقافة العربية في مختلف عصورها ،ففيه بغية للباحث في شتى العلوم العربية ،سواء الأدبية منها أو العقلية ،من بداية نشوئها ألى حدود سنة (430) هجرية ،بالإضافة إلى إحصاء شبه تام للمخطوطات العربية المجودة في مكتبات العالم. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق